-A +A
رندا الشيخ
حين نتحدث عن المسؤولية بالمطلق، فإن أول ما يتبارد إلى الذهن أفكار لا تبتعد كثيرا عن كل ما يرمز للترف أو القوة أو حتى السياسة! لكن وعلى الرغم من أن لها جوانب ترتبط بهذه الأمور بشكلٍ أو بآخر، إلا أنني أتحدث هنا عن مسؤولية من نوع آخر!
إنها مسؤولية تقود أرواحا وعقولا، وتخلق أناسا أسوياء، يحملون راية المستقبل وهم يركضون بحماس نحوه دون خوف أو تأرجح! فهم يقفون على أرض صلبة، ويسندون ظهورهم إلى قادة نذروا حياتهم لهم فقط، رغم أن هناك من ترك دفة القيادة، وتملص من المسؤولية التي لم يكن يطيقها.

أتحدث اليوم عن أرملة لم تختر رحيل نصفها الثاني، وتحمل عبء تربية أبنائه الستة. لكنها اختارت أن تدفن احتياجاتها وتفعل ذلك وحدها، فهي لم تثق أبدا في أن قلبا آخر قد يحب أفلاذ أكبادها كما تفعل هي. كانت تلك المرأة أمية لا تقرأ ولا تكتب، لكنها علمتهم كيف يقرأون الأخلاق على غيرهم قولا وفعلا، وكيف يكتبون الأحلام طموحا وسعيا، وكيف يتنفسون اليقين بخالقهم سرا وجهرا. كانت قوية كما ينبغي للأم أن تكون، وملهمة كما ينبغي للقائد أن يكون، ومقومة بقسوة أحيانا كما ينبغي للأب أن يكون! فكان النتاج باقة ملونة من البشر، تقدم العالم بشكلٍ جديد، بفكر واعد ورؤية مبهرة!
في نفس الوقت وعلى جانب آخر من ذات الكوكب، كانت أخرى تتلوى من الألم وهي تخرج من أحشائها روحا بريئة لتتركها على قارعة الطريق، بعد أن حملتها في لحظة استسلام غاب فيها العقل وحضرت فيها الأهواء. وضعتها ورحلت بعد أن زرعت جذور حزن ونقص وملامح مستقبل مجهول، ليكون النتاج هنا باقة ذابلة تمتلىء بالأشواك، لا لون لها ولا رائحة. قد تمتد إليها أياد حنونة تهذب روحها وتنتزع أشواكها، وقد تستثمرها أنياب وأظافر في تحقيق أهداف مجنونة!
ترى، هل تبدو المسؤولية أمرا هينا برأيك؟